إن وجود بحيرة تشاد بمياهها العذبة في منطقة تشاد جعلها منذ قديم الزمان ، موضع جذب شديد للهجرات القبلية ، والتي كان من ضمنها هجرات القبائل العربية ، حيث ( سكن العرب واللغة العربية منطقة الساحل الإفريقي قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بقرون طويلة ، حيث تعاقبت الهجرات نحو بحيرة كوار/ تشاد ، على وجه الخصوص لموقعها الإستراتيجي في قلب القارة الإفريقية . إلا أن الهجرات العربية إلى المنطقة والتي حدثت بعد الإسلام كانت هي الأكثر تأثيرا ، وهي التي صبغت المنطقة بطابعها الخاص ، فقد بدأت القبائل العربية ( تنحدر من الجزيرة العربية متجهة صوب إفريقيا منذ النصف الثاني من القرن الأول الهجري بعد فتح مصر. وهناك أسباب عديدة ساهمت في تحريك هذه الهجرات التي كانت تحمل معها حضارتها وثقافتها ولغتها ( فمنها ما كان سياسيا كما حدث في عهد الأمويين والعباسيين، وهكذا في عهد الفاطميين – القرن الثالث الهجري وهكذا حتى عهد المماليك ، وبعض تلك الهجرات ناشيء عن أسباب أخرى تلقائية ، إما طلبا للمرعى والعيش، أو تخلصا من سيطرة السلطات الحاكمة إذ ذاك في مصر ، بعد سوء الحالة. وتصنف القبائل العربية التي استوطنت في تشاد في ( مجموعتين رئيسيتين ، هما :
1- مجموعة ( الحساونة ) التي جاءت إلى منطقة بحيرة تشاد عن طريق شمال إفريقيا خلال القرنين التاسع والعاشر الميلاديين وهي تضم عددا كبيرا من القبائل نذكر منها: الأصعالي، والدقنة وأولاد محارب ، وأولاد سرار ، وأولاد علي ، وبني وائل ، وبني عامر ، والعلوان ، وهي تنتسب إلي أوده بن قالم.
2- مجموعة ( جهينة) والتي جاءت إلى تشاد عن طريق السودان خلال القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين ، وهي تضم عددا كبيرا من القبائل أكبرها: السلامات: وأولاد راشد والحيماد ، والحريكة ، والجعاتني وخزام ، وبني هلبة ، وهي تنتسب إلى الجنيد بن شاكر بن أحمد الأجزم بن راشد ، الذي يلتقي نسبه بعبدالله الجهني بن العباس).
وقد ظلت الهجرات العربية تغذي المنطقة بدماء جديدة حتى العصر الحديث ومثال ذلك أولاد سليمان الذين هاجروا إلى تشاد من ليبيا في الفترة مابين (1840 – 1930م )(22) ويتضح من ذلك أن هجرات القبائل العربية إلى منطقة تشاد تتابعت لقرون عديدة ، وكان يرفد بعضها بعضا، كما أن هجرات القبائل العربية المبكرة والمتتالية إلى تشاد، جعلت هذه القبائل جزءا أساسيا وأصيلا في التركيبة السكانية في المنطقة ، خاصة وأن هذه القبائل العربية تميزت بخصلتين، هما: المحافظة على ثقافتها ولغتها, والاندماج في المجتمع المحلي ، ويشير الدكتور عبدالرحمن عمر الماحي إلى هذا بقوله ( وقد احتفظ العرب في تشاد بلغتهم وعاداتهم وتقاليدهم وقيمهم الخاصة على الرغم من تأقلمهم واختلاطهم بالأعراق والمجتمعات المحلية المختلفة ومن ناحية أخرى نجد أن قدوم هذه القبائل من مناطق أكثر تحضرا يجعل خاصية التأثير لديها أقوى من دواعي التأثر ( وأن حالة البدواة التي يعيشها العرب الظاعنون في سهول تلك المنطقة كانت على درجة عالية من التأثيرات على حركة التغيير والتحول إلى الإسلام ، وهذا أمر له دلالاته التأريخية المهمة ذلك لأن ظعن البدويين وانتشارهم في مساحات واسعة والضرورة التي أملت تفاعلهم مع السكان المحليين أثرت في هذه المجتمعات إلى حد كبير ، وأدت في النهاية إلى قبولهم معتقدات الوافدين وتبنى ثقافتهم وسلوكهم فعدم استيطان القبائل العربية في المدن خاصة في المرحلة الاولى وبقاؤهم في البادية ، كان من العوامل التي أسهمت في جعلهم أكثر تأثيرا في المنطقة ، بسبب الحركة الدائمة التي تفرضها البداوة كما أن القبائل العربية لم يتركز وجودها في تشاد في جهة واحدة ، بل تفرقت في شتى النواحي والمناطق ، وبفضل هذه المقومات انتشرت اللغة العربية انتشارا واسعا في منطقة تشاد.